-القلب هو الملك للجسد والمصرِّف له والأعضاء عبيده .
فالعبيد العاملون بأوامر الملك هم عنوان صلاح الملك وسداد رأيه وكمال عقله،
وكذلك هم عنوان فساده وسوء رأيه ونقص عقله .
قال أبو هريرة –رضي الله عنه- :
القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبثت جنوده.
[رواه معمر في جامعه"11/221رقم20375"
والبيهقي في شعب الإيمان"1/ 132-133رقم109" وروي مرفوعاً ولا يصح ] .
وقول أبي هريرة –رضي الله عنه-
مقيد بالجنود الطائعين لملكهم المنفذين لأوامره كما هو الأصل في ذلك .
وأوضح منه وأصرح وأبعد عن الاحتمال والتقييد قول النبي –صلى الله عليه وسلم-
.فما هو ؟
2- عن النعمان بن بشير –رضي الله عنهما-
قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :
((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)).
[رواه البخاري"1/28رقم297-البغا" ومسلم"3/1219رقم1599" ].
فجعل النبي –صلى الله عليه وسلم- القلب هو المرجع لصلاح الجسد وفساده.
فالقلب منبع الخير والشر .
فإذا كان القلب عامرا بالإيمان عمر الجوارح بالصالحات من الأقوال والأعمال.
وإذا كان القلب خاوياً من الإيمان ظهرت على الجوارح الشرور والآثام .
والقلب أمره خفي لا يعلم ما يكنه ويخفيه إلا بما يظهر على الجوارح من اللسان والأركان.
فبالأقوال والأعمال يظهر ما في القلب من المكنون.
فانظر لهذه الحكمة الصادرة من هذا الزاهد الواعظ:
3- قال يحيى بن معاذ –رحمه اله- : القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها،
ومغارفها ألسنتها، فانتظر الرجل حتى يتكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلو وحامض،
وعذب وأجاج، يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه.
[رواه أبو نعيم في الحلية"10/63" ].
فانتبه يا عبد الله! من لسانك؛ فهو من أعظم الأدلة على ما في قلبك .
وأصلح قلبك يصلح لسانك وحالك .
وكما أن صلاح القلب صلاح اللسان فكذلك اللسان من أهم العوامل المعينة على صلاح القلب .
فبينهما ارتباط وثيق؛ لذا أمر الله بالإكثار من ذكره،
وحث النبي –صلى الله عليه وسلم- على ذكر الله .
ومن ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم- :
((ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة صالحة تعينه على أمر الآخرة))".
[رواه الترمذي وابن ماجه عن ثوبان –رضي الله عنه- وهو حديث حسن]
وأختم هذا المقال بقول شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية –رحمه الله- حيث قال:
"القلب هو الأصل؛ فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك الى البدن بالضرورة،
لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب،
ولهذا قال النبى –صلى الله عليه وسلم- فى الحديث الصحيح :
((ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهى القلب)).
وقال أبو هريرة –رضي الله عنه- : "القلب ملك والأعضاء جنوده،
فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده"، وقول أبى هريرة تقريب.
وقول النبى أحسن بياناً؛
فإن الملك وإن كان صالحاً فالجند لهم اختيار قد يعصون به ملكهم وبالعكس،
فيكون فيهم صلاح مع فساده،
أو فساد مع صلاحه؛
بخلاف القلب فإن الجسد تابع له لا يخرج عن إرادته قط
كما قال النبى-صلى الله عليه وسلم-:
((إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد)).
فإذا كان القلب صالحاً بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبياً،
لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالإيمان المطلق،
كما قال أئمة أهل الحديث: قول وعمل،
قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر،
والظاهر تابع للباطن لازم له متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد.
ولهذا قال من قال من الصحابة –رضي الله عنهم-
عن المصلى العابث: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.فلابد فى إيمان القلب من حب الله ورسوله
وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
قال الله تعالى :
{ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله}. فوصف الذين آمنوا بأنهم أشد حبا لله من المشركين لأندادهم …"
. مجموع الفتاوى(7/187-188) .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .والحمد لله رب العالمين .