النهي عن الفحش والتفحش
والتحذير منه
قال الله تعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 148]؛ أي: لا يحب الله الفحش من القول، والإيذاء باللسان، إلا المظلوم؛ فإنه يباح له أن يجهر بالدعاء على ظالمه، وأن يذكره بما فيه من سوء.
• وأخرج النسائي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((... وإياكم والفحش؛ فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش...))؛ (صححه الألباني في الإرواء: 2133).
• وكما أنه سبحانه لا يحب هذا الخلق الذميم، فإنه لا يحب صاحب هذا الخلق؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يحب كل فاحش متفحش))، وفي رواية: ((إن الله يُبغِض الفاحش المتفحش))؛ (صحيح الجامع: 1850، 1877).
وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لا يحب الفاحش المتفحش، ولا الصياح في الأسواق".
• وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إن أبغض الناس إلى الله كل طعَّان لعَّان"؛ (الإحياء: 3/ 126).
وقد جاء الإسلام يحث على حُسن الخلق، وينهى عن الفحش والتفحش:
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))؛ (قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح).
• وأخرج الإمام أحمد عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الفحش والتفاحش ليسا من الإسلام في شيء، وإن خير الناس إسلامًا أحسنهم خلقًا))؛ (صحح إسناده الحافظ العراقي في تخريج الإحياء، ولكن ضعفه الألباني في السلسة الضعيفة: 3032).
• وأخرج البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا))".
• وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المؤمن ليدرك بحُسن خلقه درجة الصائم القائم))؛ (صحيح الجامع: 1932)، (الصحيحة: 795).
• بل من أراد أن يكون قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم، فليحسن خلقه:
فقد أخرج الترمذي وغيره - بسند صحيح - من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا)).
• وقد سئل ابن المبارك رحمه الله تعالى عن حسن الخلق، فقال: "طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى".
• وأخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه))؛ (صحيح الجامع: 5655).
• وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء[1]))؛ (الصحيحة: 876).
• وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن البذاءة من شُعَب النفاق:
فقد أخرج الترمذي والحاكم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البذاء والبيان[2] شعبتان من شُعَب النفاق)).
• والنبي صلى الله عليه وسلم جعل البذاءة (الفحش من القول) من الجفاء، والجفاء في النار:
ففي الحديث الذي أخرجه الترمذي والبيهقي في "شعب الإيمان" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار)).
• وقد جاء في حديث أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة.. يذكر من صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار))، قال: يا رسول الله، فإن فلانة.. يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار[3] من الأقط[4]، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في الجنة))"؛ (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2560).
• ورأى أبو الدرداء امرأة سليطة، فقال: "لو كانت هذه خرساءَ، كان خيرًا لها"، (الإحياء: 3/ 155).
وفي حديث أخرجه الإمام مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة له: ((وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال، قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له[5]، الذين هم فيكم تبعًا لا يتبعون[6] أهلًا ولا مالًا، والخائن الذي لا يخفى له طمع[7]، وإن دق، إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب[8]، والشِّنظير[9] الفحاش)) - ولم يذكر أبو غسان في حديثه: ((وأنفق فسننفق عليك)).
• فلهذا ولغيره كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الفحش والتفحش، ويحذر منه:
فقد أخرج العقيلي بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، إياك والفحش؛ فإن الفحش لو كان رجلًا، لكان رجل سوء))؛ (الصحيحة: 537) (صحيح الترغيب: 4631).
• وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: "أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أناس من اليهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، قال: ((وعليكم))، قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام[10] والذام[11]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، لا تكوني فاحشة[12]))، فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: ((أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟! قلت: وعليكم))".
• وفي رواية عند البخاري ومسلم: "أن يهودَ أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة رضي الله عنها: عليكم، ولعنكم الله، وغضب الله عليكم، قال: ((مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش))، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟! قال: ((أولم تسمعي ما قلت؟! رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيَّ)).
• وأخرج الإمام أحمد وابن حبان والطبراني عن أبي جري جابر بن سليم رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، أوصني، فقال لي: ((عليك بتقوى الله، وإن امرؤ عيَّرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيره بشيء تعلمه فيه، ودَعْه، يكن وباله عليه، وأجره لك، ولا تسُبَّنَّ شيئًا))، قال: فما سببت بعد ذلك دابةً ولا إنسانًا".
[1] البذيء: هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام؛ (قاله النووي رحمه الله تعالى).
[2] البيان: قال الغزالي رحمه الله تعالى كما في "الإحياء"(3 /163): "يحتمل أن يراد بالبيان كشف ما لا يجوز كشفه، ويحتمل أيضًا المبالغة في الإيضاح حتى ينتهي إلى حد التكلف، ويحتمل أيضًا البيان في أمور الدين، وفي صفات الله تعالى؛ فإن إلقاء ذلك مجملًا إلى أسماع العوام أولى من المبالغة في بيانه؛ إذ قد يثور من غاية البيان فيه شكوك ووساوس، فإذا أجملت بادرت القلوب إلى القبول، ولم تضطرب، ولكن ذكره مقرونًا بالبذاء يشبه أن يكون المراد به المجاهرة بما يستحيي الإنسان من بيانه؛ فإن الأولى في مثله الإغماض والتغافل دون الكشف والبيان".
[3] الأثوار: أي القطع.
[4] الأقط: هو اللبن المجفف، مثل الجبن.
[5] لا زَبْرَ له: أي لا عقل له يزبره ويمنعه مما لا ينبغي، وقيل: "هو الذي لا مال له، وقيل: الذي ليس عنده ما يعتمده".
[6] لا يتبعون: مخفف ومشدد، من الإتباع؛ أي: يتبعون ويتبعون، وفي بعض النسخ يبتغون: أي يطلبون.
[7] والخائن الذي يخفى له طمع، معنى لا يخفى: لا يظهر، قال أهل اللغة: "يقال: خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته: إذا سترته وكتمته، هذا هو المشهور، وقيل: "هما لغتان فيهما جميعًا".
[8] وذكر البخل أو الكذب: في أكثر النسخ: أو الكذب، وفي بعضها: والكذب، والأول هو المشهور.
[9] الشِّنظير: فسره في الحديث بأنه الفاحش، وهو السيئ الخُلق.
[10] السام: الموت.
[11] الذام: الذم.
[12] لا تكوني فاحشة: المقصود: لا تعتدي في الجواب، ومنه قول جابر للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن أبي ترك عليه دينًا، وليس عندي إلا ما يُخرج نخلُه، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي؛ لكيلا يفحش عليَّ الغرماء، فمشى حول بيدرٍ من بيادر التمر، فدعا، ثم آخر، ثم جلس عليه، فقال: ((انزعوه))، فأوفاهم الذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم"؛ (رواه البخاري).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/99612/النهي-عن-الفحش-والتفحش-والتحذير-منه/#